الفكر الإسلامي

 

منظومة القيم لدى الأديان

 

 

بقلم : الدكتور عبد الرشيد سالم

الوكيل الأول لوزارة الأوقاف سابقًا

  

 

  

 

 

            إنّ الحاسة الخلقية انبعاث داخلي فطري ، وإنّ القانون الأخلاقي قد طبع في النفس الإنسانية منذ نشأتها .

        ﴿وَنَفْسٍ وَّمَا سَوّاهَا ، فَأَلْهَمَهَا فُجُوْرَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ . سورة الشمس – آية : 7،8 .

        والواقع أن الإنسان العادي يستطيع أن يميز إلى حد ما ، وفي كل ما يقوم به من أنواع السلوك بين ما هو >خير< وما هو >شر< وبين ما هو >محايد< لا ينفع ولا يضر وبين ما هو منحاز. وذلك مثلما يميز في عالم المحسوس بين >الجميل< و >القبيح< و>المجرد<؛ من كل تعبير . ولا يقتصر الأمر فقط على >المعرفة< بل إنّ مظهر الفعل الحسن أو الفعل القبيح يثير فينا مشاعر جد مختلفة ، فنمتدح بعض أنواع من السلوك ونستهجن بعضها الآخر .

        غير أنّ هذا القانون الأخلاقي المطبوع فينا ناقص وغير كاف . ليس فقط؛ لأن العادة ، والوراثة ، وأثر البيئة ، والمصالح المباشرة تفسد نوازعنا التلقائية ، وتلقي أنواعًا من الظلال على نور بصيرتنا الفطرية ، وليس فقط؛ لأن شواغل الحياة في الدنيا تستوعب الجزء الأكبر من نشاطنا الواعي ؛ بل إن ممارسة الأخلاق في أحسن الظروف الملائمة تواجه صعوبة أخرى رئيسة . وهي أن الضمير إذا اقتصر على مصادره الفطرية وحدها ، وجد نفسه عاجزًا في أغلب الأحيان ، عن أن يقدّم ، في جميع الظروف >قاعدة< ذات طابع عام ، تستأثر باعتراف الجميع . فإذا تجاوزنا حدًا معينًا نجد أن >اليقين< الأخلاقي قد ترك مكانًا للاحتمالات والتردّد والمتاهات .

        وهذا هو السبب الذي من أجله بعث الله في الناس ، من حين لآخر ، نفوسًا متميزةً ملهمةً بالوحي الرباني ، وتستطيع على مدى التاريخ الإنساني أن تضطلع برسالة إيقاظ الضمائر، وإزالة الغشاوة عن النور الفطري الذي أودعه الله فينا . وهذه النفوس المصطفاة ، بتعاليمها الدقيقة التي تلقّنها للناس . تعمل على حصر الاختلافات بينهم في أضيق نطاق ممكن ، وخاصة بالنسبة لتقدير الحكم الأخلاقي .

        وهكذا يجد النور الفطري ما يكمله ويقويه من وحي النور الإلهي >نور على نور< .

        غير أن هذا التعليم الإيجابي لا يلقي علينا كأمر تعسفي أو تحكمي مجرد عن كل ما يبرره ويكسبه الصيغة الشرعية ؛ بل نجده على العكس يقدم إلينا مدعمًا بميزتين ؛ فهو من ناحية يخاطب ضمائرنا؛ ليحصل على موافقتنا ، ومن ناحية أخرى يبرز >المثل الأعلى< في ذاته؛ ليدعم به شريعته ، وهاتان الميزتان شرط مزدوج وضروري لتأسيس مفهوم >القانون الأخلاقي< . ذلك القانون ، أي قانون ، إذا لم يحصل على موافقة الناس؛ فإنه يظل غريبًا عنهم ولا يعترفون به ، مثل هذا القانون يستطيع أن >يرغمهم< ولكنه لا يستطيع أن >يلزمهم< أخلاقيًا ، ومن ناحية أخرى إذا لم تكن موافقتنا تقوم أساسًا على >الحقيقة< في ذاتها ؛ فإن القانون الذي نخضع له لا يكون إلا حالة >شخصية< أو >نسبية< ، وكأننا بذلك نجرى وراء ظل القانون أو نتستسلم لعبادة وثن .

الالتزام الخلقي

 

            وهكذا نرى أن >الواجب< يقوم على فكرة >القيمة< التي نستمدها من >مثل أعلى< وأن >العقل< و >الوحي< مظهران لتلك الحقيقة الأساسية التي تُعتبَر المصدر الحقيقي >للإلزام الخلقي< والذي لا شك فيه أنه لا مكان للأخلاق بدون عقيدة . والعقيدة هنا تتّصل بالأخلاق ذاتها، ومعناها الإيمان بالحقيقة الأخلاقيّة كحقيقة قائمة بذاتها >تسمو< على الفرد ، >وتفرض< نفسها عليه بغضِّ النظر عن أهوائه ومصالحه ورغباته ، غير أن موضوع هذه العقيدة يمكن تصوره بطريقتين مختلفتين : فعلى حين أن الملحد العقلاني يقف نظره عند فكرة جامدة أو عند مفهوم مجرد ، أو عند كيان أخرس لا حياة فيه نجد أنّ المؤمن يتعرف في هذا النداء الداخلي على صوت معبوده ، ويترجم في ثنايا قلبه الرسالة السماوية لخالقه .

        ونجده خلف الفكرة يلمح حقيقة حية ومؤثرة؛ ويشعر أنه مرتبط بها ارتباطاً عضويًا ويستمد منها على الدوام القوة والنور ، ويشعر نحوها بأعمق مشاعر الاحترام ممزوجة بأدق مشاعر الحب ، هذه الشعلة العاطفية التي تحرك >إيمانه العقلي< تغذى ، في الوقت نفسه >طاقاته الخلاقة< وهو حين يتوقف أو يسقط لا ييأس من أنه سيعاود الوقوف على قدميه ومتابعة المسيرة ، معتمدًا على تلك القوة الهائلة التي يستمد منها العون وهي الله ، وبذلك يمكن القول إن الأخلاق لا تجد مكانًا أكثر خصوبة، وتزدهر فيه ، من ضمير المؤمن ، ويمكن القول ، حقيقة لا مجازًا ، إن >الواجب مقدس< واستقلال القاعدة الأخلاقية بالنسبة للفرد قد يجعل من الحياة الأخلاقية >خضوعًا< غير أن الخضوع المطلق يعتبر نفيًا >للحرية< وهو تبعًا لذلك نفي للأخلاق ذاتها .

        هذه إحدى النقاط الشائكة التي نعرضها وهي تؤكد أنه لا عذر لنا في القول؛ بأن ذلك الخضوع >شعوري< و >مقبول< منا بحرية تامة ، إذ أننا لو سلمنا أنفسنا عن طواعية للرق ، فلا يمنع ذلك أو يقلّل من كوننا عبيدًا ، وإذن فإن >الأخلاق الحقيقية هي التي تضع الضمير الإنساني في وضع متوسط بين >المثالي< و >الواقعي< وتجعله يدمج بينهما ، وهذا الدمج يؤدي إلى تغيير مزدوج في كليهما : ففي عالم الواقع يحدث جديد هو الاتجاه نحو الأفضل كما أن القاعدة المثالية هي الأخرى باحتكاكها بالحقيقة الحسية تعدل نفسها ؛ لتلائم الواقع ؛ فإذا احتدم النزاع بين واجبين ، فقد يتعين أن يخلي أحدهما السبيل أمام الآخر ؛ أو تحتم طبيعة العلاقات المركبة بين الأشياء إيجاد نوع من التوفيق بينهما : أو قد يسمح الجانب غير المحدد من القاعدة باختيار حر يؤكد إنسانية الإنسان .

        وهكذا نرى أن الإلزام الخلقي يستبعد >الخضوع المطلق< مثلما يستبعد >الحربية الفوضوية< ويضع الإنسان في موضعه الحقيقي بين >المادة< الصرف و >الروح< الصرف .

        إن كل مُواطن يعيش في مجتمع معين يحمل جانبًا من المسؤولية في وجود بعض الشرور الاجتماعية ولا يقتصر ذلك على تدخله الإيجابي في إحداث هذه الشرور ، أو على القدوة السيئة ؛ بل إن مسؤولية الفرد تمتد إلى الحالة التي تُترك فيها الشرور تنتشر دون أن يتدخّل لمنعها ، أو على الأقل؛ لفضحها وإعلان سخطه . فاللامبالاة الاجتماعية تتساوى في التحريم مع الفعل الإيجابي ، والامتناع عن إعلان الرأي بشأن المخالف للشرع يُعتبر نوعًا من الاشتراك في المخالفة .

        غير أن المسؤولية تفترض قدرة التحكّم في الفعل أو الامتناع عن الفعل . وهنا يثور سؤال هام:

        هل الإرادة الإنسانية لها بحق حرية الاختيار لسنا في حاجة للتعرض للجدل الذي أثارتْه المدارس المختلفة حول هذا الموضوع ، ويكفي في هذا المجال أن تقرّر حقيقة لا جدال فيها ، وهي أن كل إنسان عاقل يُعتبر دائماً مسؤولاً عن أفعاله الإرادية ، وأساس مسوؤليته هو تأكيد >حريته< وقد عبّر الفيلسوف >كانت< أحسن تعبير عن هذه الفكرة حين قال في مؤلَّفه >أسس ميتافيزيقا الأخلاق<: >يستحيل علينا أن نتصور عقلاً< في أكمل حالات شعوره ، يتلقى بشأن أحكامه توجيهًا من الخارج .؛ فإرادة الكائن العاقل لا تكون إرادته التي تخصه بالمعنى الحقيقي ، إلا تحت فكرة الحرية .

        غير أننا نجد الفكرة أكثر وضوحًا في القرآن الكريم : فليس هناك شيء في الطبيعة الداخلية أو الخارجية يستطيع أن يرغم الإرادة الإنسانية على اختيار مسار غير الذي تختار بنفسها ، وقد يكون النزوع أو الرغبة أو المصلحة ، أو الإيحاء . قد تكون هذه كلها عوامل تحرّك الإرادة وتدفعها ؛ ولكنها لا تنتج القرار؛ لأنها ليست سببه المباشر ، فالقرار النهائي ملك للإرادة ، وهي وحدها التي تمل حق إصداره بعد أن تكون قد استمعت إلى إغراء الحواس والبواعث الخارجية من ناحية ، وإلى نداء الضمير من ناحية أخرى ، وبعد أن تكون قد وازنت بين اتجاهين ورجّحت إحدى الكفتين .

            لكن هذه الحرية الشاملة ، وهذا الاستقلال الكامل الذي تتمتع به الإرادة الإنسانية إزاء >الطبيعة< هل تملك حق المطالبة به إزاء >الخالق<! أليس من الممكن في آخر لحظة من لحظات المداومة والاختيار أن يتدخل >الله< – جل وعلا–؛ ليرجّح كفة الميزان في الاتجاه الذي يريد .؟.

        في الحقيقة إن هذه المسألة عن >حتمية الإرادة العلوية< تستعصي على وسائلنا في الفهم والتعليل ، وهي لا تثار إلا لإرضاء نزعة الجدل العقلي الذي مهما كانت نتيجته، لا يؤثر على الأخلاق ، ولا على العقيدة والإيمان . وبالنسبة للأخلاق لا يهمّنا حدوث الفعل بقدر ما تهمنا >الطريقة< التي يتصوّر بها الإنسان سلوكه ، و >المبدأ< الذي يتصرف بمقتضاه ، وهذا كله يتلخص في كلمة واحدة هي >النية< .

 

النية في الاختيار

            وحينئذ فإن السؤال المهم الذي يجب أن يثار هو: ما هي نية الإنسان في الوقت الذي يقرر فيه اختيار سلوك معين ؟. وهل يشعر أدنى شعور بأنه مدفوع؛ لاتخاذ قراره >بأمر إلهي< لم يسعه إلا الخضوع إليه؟ وهل كانت نيته أن يجعل من نفسه وسيلة أو >أداة<؛ لتنفيذ >الإرادة المقدسة<؟ كيف يمكن حدوث ذلك إذا كان الإنسان لا يعرف الإرادة الإلهية سلفًا؟. إن الإنسان حين يعمل هذا ويترك ذاك يختار ما يراه الأنسب ، وتنعقد نيته على تنفيذ القرار الذي تصدره إرادته الذاتية وحتى لو كانت هناك قوة تتدخل في سلوكه؛ فإن قبوله لها يعني موافقة الإرادة عليها .

        وهكذا يصبح الإنسان مسؤولاً بمجرد سلوكه. وذلك مثلما يصبح دائمًا بتوقيعه لصك الدين ، وترتب على الإلزام والمسؤولية بالضرورة مبدأ الجزاء .

        فالقانون الأخلاقي الذي يلزمنا ، ويضعنا أمام مسؤوليتنا يجب أن ينطوي ، في الوقت نفسه ، على نظام لتقدير مواقفنا ، وإذا كان بعض الحكماء قد أنكروا وجود >جزاء أخلاقي< بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة ؛ فإن وجود هذا الجزاء بالفعل يدحض هذا الرأي ، ويزودنا القرآن الكريم بنوعين من هذا الجزاء: فهناك أولاً الجزاء ذو الطابع >الإصلاحي< ومعناه أن الإنسان الذي يسلك سلوكاً سيئًا يتحتم عليه إصلاح ما ترتّب على هذا السلوك من فساد أو إهدار لحقوق الآخرين ، وإهمال الواجب يقابله القانون بفرض واجب آخر. هو واجب >التعويض< ثم كيف لا نثير الشعور بتأنيب الضمير، وهو شعور داخلي يفتح أمامنا طريق الإصلاح ويسر لنا إصلاح أنفسنا وإصلاح أخطائنا ؟ غير أن هذا الشعور لا يكفي وحده لإعادة النظام ؛ بل لابد أن يدعمه موقف جديد من مواقف الإرادة ، موقف يفترض بذل الجهد . هذا الموقف بالتحديد موقف >التوبة< وهو في طبيعته المركّبة يشمل الماضي والحاضر والمستقبل : إذ تقتضي التوبة إيقاف السلوك السيء، والعزم على عدم العودة إليه ، والاستمساك من جديد بالواجب المهمل ، وإصلاح الأخطاء المقترفة، واتّخاذ طريق جديد للسلوك ، هذا >التحوّل< الأخلاقي في مجموعه تفرضه علينا الأخلاق كوسيلة إصلاحية .

        وبالإضافة إلى ذلك ، نجد في القرآن نوعًا آخر من الجزاء ذي الطابع >الاستحقاقي< وهو ردّ فعل للقانون الأخلاقي يمارسه مباشرة وتلقائيًا، ولا يسع الإنسان إلا أن يتحمّله رضي أم لم يرض. فبحسب موقفنا >الخاضع< أو >المتمرّد< بالنسبة لما يمليه علينا الواجب ، نجد أن ملكاتنا العليا تتأثر سموًا أو انحطاطاً، ولا يعني ذلك فحسب أنّ ممارسة الخير تصفي القلب وتشحذ الإرادة وتقوي العزيمة ؛ بل إن صداها ينعكس أيضًا على الملكة الذهنية نفسها. وعلى العكس من ذلك نجد أن فوضى الانقياد للنزوات تعتم الضمير وتحوّل العقل عن تصور الحقيقة .

        ومجمل القول ، إن الجزاء الأخلاقي الاستحقاقي ينتهي إلى نوع من >التقدير للذات< ، ويؤدي إما إلى ارتفاع في القيمة الإنسانية وإما إلى هبوط بها .

        وإذا كان الإنسان يتصرّف بحرية فمعنى ذلك أن عمله انبعاث لكيانه الكامل >جسمًا< و >روحًا<، ولايخفى ما بين هذين العنصرين من صلة وثيقة وتفاعل متبادل ؛ ولذا كان من العدل أن يلقى الإنسان جزاءه وعقابه في حسّه وروحه .

        ونحن نرى قانون الطبيعة نفسه يوزِّع الجزاء على الفضيلة أو الرذيلة توزيعًا مناسبًا :

        فالكفاح جزاؤه النصر، والاعتدال جزاؤه الصحة؛ والإدمان والرذيلة جزاؤهما النتائج الضارة للجسم والعقل، غير أن هذه الجزاءات الطبيعية، في الحياة الدنيا، ليست كاملة ولاشاملة؛ ولذا فإن العدالة الإلهية قد تكفلّت بإكمال هذا النقص عن طريق الحساب في الآخرة .

 

التسليم بأطراف المعرفة

 

            وفي النهاية؛ فإن منظومة القيم في الأديان كما أوضحنا تتضمن البناء الإنساني كله، سواء في التربية، أو العلم، أو العمل، أو المعرفة بكل أبعادها.

        ولا يستطيع أحد أن يدّعي أن مقومات التربية في الأديان لم تشمل كل النظريات التربوية التي صاغها العلماء وتحدّثوا عنها عبر العصور؛ بل اليقيني أن مقومات التربية في الأديان تزيد عن هذه النظريات من حيث عمق النظرة وصدق المضمون؛ لأنها جاءت من خالق الإنسان ومدبِّره والعالم بأسراره وخفاياه .

        وأما بالنسبة للسلوك؛ فإن الإنسان قبل أن يعرف الاجتماع وبعده، وقبل أن يتكلم في ذلك علماء النفس وعلماء الاجتماع كانت تحكمه منظومة من القيم التي أودعها الله في فطرته ، ثم جاءت الأديان متتابعة في أزمان مختلفة؛ لتنظِّم هذه القيم وتهذِّبها وترتقي بها إلى مدارج الكمال الذي يحقّق للإنسانية الأمن والسلام والمحبة ويمنح الإنسان الرضا ، والصفاء . ويسبغ عليه الفرح والسعادة .

        أما العلم : فهو بلا شك أساس كل الأديان ودعوتها الأولى التي أراد الله من خلالها اليقين به. والتعرّف عليه ، والإذعان له ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّه لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوْ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوْ العِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ . سورة آل عمران – آية : 8 .

        فالأمة أو الإنسان الذي يقصّر في الحصول على العلم والتعميق فيه . إنما هو بذلك قد قصّر في إنسانيته وابتعد عن فقه الأديان ، واختلت منظومة القيم لديه بمقدار ما يجهله من الحقائق والمعرفة .

        أما العمل : فإن الأديان السماوية إنما أنزلها الله على عباده لتنظيم عملها في حدود تعاليمها وأن تنطلق بها إلى مدارج السمو فلا تقف عند حدود العقل الإنساني ، وإنما تتصل بأسرار العقل الإلهي، الذي جاء في كتبه على أنبيائه وأصبح حجةً علينا وإلزاماً لنا ، من أدركه واتّصل به وعمل في ضوئه فاز في الدنيا والآخرة ، ومن ابتعد عنه ، أو خلط فيه تاه وضلّ الطريق وكانت إنسانيته ناقصة .

        وقد أثبتت كل التجارب في الحقب التاريخية المختلفة صدق ذلك . >راجعوا تاريخ البشرية< .

        أما المعرفة : فإن الإنسان الملتزم بالأديان مطلوب منه أن يسلم بمعظم أطراف المعرفة ، وأن يحاول من خلال هذه المعرفة أن يصوغ حياته من غير خلل أو اضطراب في مضمون القيم الدينية التي هي في الحقيقة لا تتعارض أبدًا مع كل جوانب المعرفة الإنسانية .

        إن المعارف التي يُدعى أصحابها أنها نشأت من ماديتهم لا يمكن تجاهلها؛ لأنها في أحيان كثيرة تكون مفتاحًا للإيمان وللحقيقة الإلهية عند المتدينين.

 

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . محـرم – صفـر 1428هـ = فبـراير - مارس  2007م ، العـدد : 1-2  ، السنـة : 31.